فسرعان ما تتبدد الحيرة وينقشع الضباب لترى تلك الصور من الخالدات يتواجد مثلها في أيامنا، لتراها من خلال شدّ الرحال الدؤوب الى المسجد بين عجوز وفتاة وأم عيال ، وطمع بعض أمهاتنا في الصلاة ركعتين في المسجد الاقصى ( المسجد القبلي الكبير ) ثم التقدم قليلا لتصلي ما فتح الله لها ان تصلي ، وقد رأينا من الهمم العالية والشوق للصلاة في كل بقعة من هذه الأرض الطاهرة، فهنا صلاة في المسجد الكبير وصلاة في المسجد القديم ثم التحول شرقا نحو المصلى المرواني للصلاة فيه بكل زاوية حتى الوصول الى البوابات الكبيرة ثم العودة الى قبة الصخرة والصلاة في المغارة وحضور مجالس العلم .
وأصعب اللحظات تلك التي تعقب سلام الإمام معلنا انتهاء الصلاة الأمر الذي يعني أن وقت العودة الى البيت قد حان فتعود جموع الناس بشعور ممزوج بالراحة على الأوقات التي تم قضاؤها بالعبادة وشعور بالخوف على فراق هذا المكان الغالي على أمل اللقاء والعودة في الزيارة الاسبوعية المقبلة هذا هو حال المسجد الأقصى في الأيام العادية بينما في هذا الشهر العظيم شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار شهر البركة والخيرات فما عاد لهؤلاء الخالدات من شغل سوى المسجد الاقصى حتى أنه يوجد منهن من تعلم بحافلة تقل جموع شادي الرحال إلا وحطت ركابها معهم والألسن تلهث بذكر الله والدعاء له بأن يحفظ لنا مسرى الحبيب المصطفى ، وبرز في هذا الشهر العظيم عنصر الإيثار والذي قال عنه فضيلة الأستاذ عمرو خالد انه عنصر وكلمة لا مرادف لها عند الشعوب الأخرى لا في سلوكهم ولا في أخلاقهم ولا حتى في معنى الكلمة نفسها ، وبرز ذلك الإيثار من خلال مواقف ذكرتنا بمواقف كنا وما زلنا نتدارسها عن السلف الصالح فنجد الكثير من الصائمات ومع حلول موعد الإفطار وسماع صوت مدفع الإفطار وصوت الأذان معلنا حلول وقت الإفطار وصلاة المغرب ، تجد الصائمات تؤثر الواحدة أختها عن نفسها فتقدم لها الماء والتمر قبل أن تضعه في فمها ، وفي موقف آخر رغم علم جميع من يشدون الرحال الى المسجد الأقصى بوجود موائد الرحمن وافطارات الصائمين اليومية إلا أنه كانت كثيرات من أخواتنا الخالدات ترى تلك الجموع الحاشدة في ساعة الإفطار فتحدثها نفسها أن تبقِ وجبتها لمن هم أحق بها منها فتحمل ما تيسر لها من الطعام والشراب كزاد لها يعينها على الطاعة وقيام الليل في رمضان وفي المسجد الأقصى ، وأجمل منها ذلك المثال الرائع لمسلمات من اجل الأقصى واللواتي أشرفن وشاركن وساهمن بالأموال الحلال لدعم مشروع إفطار الصائم وهن يعملن كخلية نحل من اجل إيصال الوجبات لجميع الحاضرات وينسين أنفسهن ويؤثرن أخوات لهن على أنفسهن، فبوركتنّ أيتها الخالدات وبهمّة كهذه أنى للأقصى أن ينحني أو تطاله يد الظلم والله هو الحافظ القوي اللهم آمين .
ومشهد آخر لموقف تعرضت له أحدى الخالدات في هذه الأيام المباركة حيث قامت أختا لها بدعوتها لشد الرحال إلى المسجد الأقصى لأداء صلاة التراويح من اجل الثواب المضاعف في هذه الأيام المباركة بالحسنات حتى سبعين ضعفا فما كان منها إلا وأن أجابت أختها : نعم أريد أن اصلي صلاة التراويح في المسجد الأقصى حتى أجد الأمر سهلا في ليلة القدر ( بسبب الجموع الكبيرة) فما كان من أختها إلا وأن إجابتها : هيهات إن هذه الأيام والليالي في رمضان وفي المسجد الأقصى كلها بفضل الله كليلة القدر والحمد لله .