إذا كانت الجزائر قد ألغت حالة الطوارئ قبل أشهر قليلة بعدما سرى مفعولها نحو عقدين من الزمن، بدعوى إطلاق خطوات الإصلاح السياسي الناجمة عن الضغوط الداخلية والخارجية التي أشعلتها الثورات العربية، فإنها على ما يبدو ستعود مكرهة لا مخيرة لهذا النظام ولو لأيام معدودات بسبب شهر رمضان الكريم الذي يحول البلد إلى وطن أخر تتغير فيه سلوكيات وعادات الحاكم والمحكوم على السواء.
قد لا يعني شهر رمضان للكثير من الجزائريين إنه فقط شهر الصيام والمغفرة والتوبة إلى ''الخالق البارئ المصور ''، بل هو أيضا امتحان للحكومة وأجهزتها العسكرية والمدنية وكذلك للمواطن البسيط المطالب بتدبر أمره وتجاوز اختبار مصاريف الشهر الفضيل بنجاح قبل اختبار متطلبات عيد الفطر المبارك والدخول المدرسي مباشرة.
تدرك حكومة الجزائر إنها في مواجهة وضع لا مجال لها فيه للخطأ أو من شانه انه يسمح بإعادة سيناريو انتفاضة '' السكر والزيت '' مطلع يناير الماضي التي خلفت خسائر مادية وبشرية وزعزعت بعض الشيء أركان النظام القائم، لذلك سارعت إلى اتخاذ إجراءات موجهة بالدرجة الأولى إلى استعطاف المواطن وتجنب غضبه خاصة في هذا الشهر الكريم.
بادرت وزارة التجارة بتقديم مقترحات إلى الحكومة بهدف مساعدة التجار منهم أصحاب المخابز خاصة فيما تعلق بتخفيض في نسبة الضرائب.
كما حرصت على إبقاء سعر السكر والزيت في السقف الذي حددته السلطات العمومية، مع تسخير فرق مراقبة لقمع أي تجاوز، علما بأن الحكومة اضطرت لصرف حوالي 50 مليون دولار لتعويض فارق السعر الحقيقي لهاتين المادتين الأساسيتين عند الجزائريين.
ورغم هذه الانتقادات،أعلنت وزارة التجارة عن توفير عرض خاص بالبقول الجافة يصل إلى 238 ألف طن لطلب قد يصل حوالي 100 ألف طن. أما المتوفر من البقول الطازجة فيصل إلى 3ر6 مليون طن في مواجهة طلب لا يتعدى 2ر5 مليون طن. وينتظر أيضا تسويق 235 ألف طن من اللحوم خاصة في شهر رمضان،حيت تم التوافق على استيراد كميات في شكل لحم مجمد من الهند بأسعار جد معقولة،على أن يتم طرحها للبيع بسعر يتراوح ما بين 5ر4 و 5ر5 يورو للكيلوجرام الواحد.
ولتنظيم عملية مراقبة الأسواق ونشاطات التجار، أطلقت وزارة التجارة ايضا خطة لتوظيف 2500 عون العام الجاري ليصل العدد إلى سبعة ألاف عون جديد في غضون 2014.
أما وزارة الزراعة فاهتدت إلى طريقة تراها إنها كفيلة بإبقاء أسعار بعض المواد أساسية على مائدة الجزائريين في سقف معقول، تخص تكليف الديوان المهني للحبوب الحكومي، بتخزين كميات معتبرة من القمح الصلب و اللين من شانها أن تمون السوق المحلية على مدار أربعة أشهر ونصف كاملة، وهو ما يعني أن البلاد ستكون في مأمن من احتمال افتقاد هذه المادة الأساسية على الأقل إلى غاية نهاية العام، رغم تسجيل بعض حالات التهريب لمادة الدقيق خاصة باتجاه الحدود مع ليبيا.
ولتحقيق هذا الهدف كان على الحكومة أن تدفع فاتورة باهظة بلغت قيمتها 51ر1 مليار دولار مثلت قيمة واردات الحبوب خلال النصف الأول من العام الجاري فقط.
ورغم كل هذه التدابير والتطمينات إلى أن أسعار المنتجات الفلاحية الطازجة و اللحوم البيضاء والحمراء عرفت أيام قليلة قبل حلول شهر رمضان، ارتفاعا نسبيا، حتى وان تباينت "البورصة" من سوق لأخر أو من ولاية (محافظة) لأخرى أو حتى من حي لأخر.
من جهته يقول محمد الذي اقترب من عقده الرابع، إن الأيام الأخيرة التي تسبق رمضان هي بمثابة مقدمة لما سيكون في شهر الرحمة معربا عن أمله في أن يتعظ التجار وان تلقى دعوات الحكومة وحملاتها الصدى المرجو في الميدان أو بالأحرى الأسواق اليومية والأسبوعية.
من ناحية أخرى انطلقت عملية التضامن مع المحتاجين قبل حلول الشهر الكريم بأيام، حيث أحصت وزارة التضامن 4ر1 مليون محتاج '' فقير ومعاق '' سيستفيد كل شخص مما يسمى قفة رمضان '' تحتوي على المواد القاعدية كالزيت والسكر والقهوة والحليب والدقيق '' تتراوح قيمتها من 30 إلى 90 يورو، ما يعني مبلغ إجمالي يقدر بحوالي 55 مليون دولار، مع تمكين المستفيدين من الحصول عليها مرتين إلى ثلاثة خلال هذا الشهر.
وتعتزم وزارة التضامن فتح 691 مطعم إفطار للفقراء وعابري السبيل بمناطق مختلفة من البلاد، وهي العملية التي يشرف على إنجاحها 13 ألف متطوع بينهم أعضاء في الهلال الأحمر الجزائري والكشافة الإسلامية الجزائرية.
على صعيد العمليات الإرهابية لم تنتظر أجهزة مكافحة الإرهاب في الجزائر وخاصة الجيش الذي أصبح في الواجهة لوحده تقريبا منذ الإعلان الرسمي عن رفع حالة الطوارئ في الربيع الماضي ، أن تطعن في الظهر حتى تبادر إلى الهجوم وتواصل حربها الضروس على هذا التنظيم الذي عادة ما يستغل شهر رمضان لتنفيذ عمليات انتحارية استعراضية بهدف إثبات الذات والبحث عن الصدى الإعلامي في الفضائيات العربية والأجنبية ووكالات الأنباء العالمية.
وتنفذ قيادة الجيش حاليا مخططا امنيا يهدف إلى تضييق الخناق على عناصر القاعدة بهدف دفعهم إلى الاستسلام أو القضاء عليهم في مخابئهم معتمدة في ذلك على العمل المخابراتي والخبرة التي اكتسبها كوادرها في إدارة الحرب على الإرهاب التي هي على مشارف العقد الثاني.
وقام الجيش بعمليات نوعية البعض منها تم في سرية غير معهودة استخدم فيها الطائرات الحربية والقذائف الثقيلة في منطقة القبائل وولاية تيبازة والبليدة بوسط البلاد وبولايات جيجل وبجاية وسكيكدة إلى الشرق منها.
وشدد الجيش والدرك في الأيام الأخيرة من إجراءات المراقبة والتفتيش للمركبات ووثائق أصحابها، على المحاور والطرق المؤدية إلى العاصمة الجزائر، خاصة على مستوى المحور الفاصل بين ولايات تيزي وزو والبويرة وبومرداس، لمنع أية محاولة لتسلل إرهابيين والجماعات المسلحة إلى العاصمة حيث الهيئات الرسمية والمقار الحكومية.
إجراءات سببت متاعب حقيقية لمستعملي الطريق الوطني رقم 05، الذين أصبحوا ملزمين بعبور ثلاثة حواجز أمنية على مسافة لا تتعدى 30 كيلومترا، مما ولد طوابير غير منتهية من السيارات تنتظر حظها لدخول العاصمة. نفس السيناريو يعيشه سكان بعض بلدات ولايتي بومرداس وتيزي وزو على وجه التحديد.
لكن السلطات المختصة تعتقد إن "الغاية تبرر الوسيلة" وان الحفاظ على أرواح الأبرياء لا يقدر بثمن، وان هذه الإجراءات هي التي سمحت بتفادي مجازر خطط لها تنظيم القاعدة بهدف السماح له من اجل العودة مجددا إلى الوجود بعد الضربات القاسمة التي تلقاها في الأشهر والسنوات الأخيرة.
في سياق متصل، أعد جهاز الشرطة، مجموعة من الإجراءات والتدابير الوقائية لتسهيل حركة السير و الوقاية من حوادث المرور تتطلب تجنيد عدد كبير من الإطارات والأعوان، بهدف توفير المرونة و الانسيابية في السير من خلال التجنيد الشامل ليلا نهارا لكافة الموارد البشرية و المادية المدعمة بشبكة كاميرات المراقبة التابعة لمراكز العمليات.
وسيساهم هذا الإجراء في" ضمان سرعة التدخل" في حالة أي إعاقة أو "اختناق مروري"لا سيما خلال ساعات الصباح و قبل الإفطار وأساسا بعد الفترات التي تعقب الإفطار.
وتتطلب هذه الإجراءات أيضا،"انتشارا ميدانيا" لأعوان الشرطة وآليات المرور عبر "التمركز المكثف" على الطرق الرئيسية والفرعية وبعض النقاط السوداء التي تعرف كثافة مرورية عالية خصوصا على مستوى عدد من الوجهات و المشارف التي تشهد اختناقات. كما تم تسخير وحدات أخرى من فرق مكافحة قمع الإجرام التي سيتم إدراجها على مستوى الأماكن العمومية والفضاءات المخصصة للتسلية والحفلات ومحطات السفر وأماكن أخرى آهلة بالسكان لغاية ساعات متأخرة من الليل.
في شأن مختلف أصبح شهر رمضان يعني لوزراء الحكومة امتحانا يجب الاستعداد له جيدا، لأنه ببساطة يعني الموعد الذي قد يكرم فيه كل وزير أو يهان بالنظر إلى ما قدمه من عمل على مستوى القطاع الذي عهد إليه.
وتحسبا لهذا الاختبار "الصعب" وظروف شهر الصيام، يعود أعضاء الحكومة التي يقودها رئيس الوزراء احمد اويحيى، إلى استئناف العمل مع أولى أيام رمضان بعد إجازة لم تتعد 15 يوما، وكلهم أمل في أن تسير الأمور على النحو الأمثل لثلاثين يوما وان كانوا يريدون أكثر.
والظاهر إن مهمة وزراء الجزائر لن تكون سهلة بالمرة على الإطلاق، فالاحتجاجات على انقطاع الكهرباء والمياه لا زالت متواصلة، بينما يهدد عناصر جهاز الحرس البلدي على العودة إلى الشارع من أجل الاحتجاج على تماطل وزارة الداخلية في تلبية مطالبهم منها بالأساس الزيادة في الأجور.
وبمثل ذلك يلوح الآلاف من العمال في قطاعات مختلفة، فيما حذرت منظمات طبية من ما تسميه '' النفاد المتكرر لمخزونات العديد من الأدوية '' وتداعياته السلبية التي تؤدي في بعض الأحيان إلى تسجيل حالات وفاة وهو سبب كاف لإثارة غضب الشارع وإشعال فتيل أزمة أخرى تبقى الجزائر في غنى عنها.